منذ اللحظة الاولى والمشهد الاول لفيلمه فيلم اشتراكي يصدمنا المخرج الفرنسي جان لو غودار احد مـؤسسي سينما الموجة الجديدة في السينما الفرنسية والعالمية عبر اللغة التي يعتمدها في تقديم ورسم المشهديات السينمائية التي يقدمها. والتي تبدو وكأنها تكسر كل التابوهات وكل الصيغ والاشكال التقليدية في السينما العالمية. فيلم يدعو إلى إعمال الذهن والذاكرة فيلم لا يرتضي بالتقليدية في الطرح او المشاهدة ومن هنا تأتي الصدمة. وقد تريثت طويلا قبيل الكتابة عن هذه التجربة السينمائية التي اراد لها غودار ان تعرض في تظاهرة نظرة ما في مهرجان كان السينمائي وكأنه كان يريد لها ان تحظى بأكبر كمية من الضوء والمشاهدة والتحليل وان يعزلها عن ايقاع التنافس الذي تعيشه الاعمال التي تعرض داخل المسابقة الرسمية لمهرجان كان على وجه الخصوص. يرحل بنا الفيلم من خلال جولة تقوم بها احدى السفن السياحية الضخمة بين مدن البحر الابيض المتوسط عبر كم من الشخصيات والاحداث ومع كل محطة هنا موقف وحكاية واستدعاء للتاريخ والتجارب والظروف التي علمت تاريخ تلك المدينة.
وكان غودار من خلال تلك الجولة يريد ان يقول ان الفكر الاشتراكي ولد في رحم تلك المنطقة. ولكن الزمن تغير، والفكر تغير، والمعادلات تغيرت، وقبل كل هذا وذاك حوض المتوسط هو الاخر قد تغير حيث مزيد من الازمات وعلى جميع المستويات والظروف مما غير المعادلات والظروف وبالتالي الفكر. فيلم فيلم اشتراكي للفرنسي غودار يدعونا للتحاور حول كل شيء. اولا حول الظرف الموضوعي الذي يعيشه المتوسط اليوم والمعاناة والضغوط التي تحيط به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. عبر مشهديات خارج الفعل التقليدي والتي تعمل على تكسير كل شيء حتى نظام المشاهدة وفكر المشاهدة ونظام التلقي. حوار فلسفي كبير وصور قد تبدو مرتبكة ولكنها انعكاس لواقع ممزق. وكأنه يتهاوى. حيث تهاوى الصور والاشكال والمضامين وكل الافعال التي تشكل البناء السينمائي بشكله الاعتيادي التقليدي الدارج. عند غودار لا شيء مألوف، وعند غودار لا سينما ولا تمثيل ولا مضامين بأشكالها الدارجة، التمثيل غير تقليدي، والتصوير غير تقليدي، والمضامين تتجاوز كل الصيغ التقليدية، وهنا تأتي الصدمة، وهنا ايضا تأتي الدهشة. ماذا يريد غودار؟ وهل لايزال قادرا على الابداع والتنظير من اجل موجات سينمائية جديدة. غودار من تلك النوعية التي تستفز الوعي والذاكرة وتجعل المشاهد على كرسيه وكأنه في مختبر من المضامين والتفسيرات. التي تترك للمشاهدة البحث والدخول الى لجة من البحث الدؤوب حول المضمون والدلالة. وحينما لا يجد المشاهد تلك الدروب التي تجعله يصل الى عوالم غودار ينسحب من الصالة في عتمة الرؤيا. ولكنه حينما يلتقط اول خيوط الفهم والادراك والاستيعاب يأتي الاستمتاع والتأمل والفرح بان هناك دائما سينما جديدة حتى وان اختلفت معها تظل سينما جديدة في الشكل والمضمون. حينما لا تفكر في جيب المشاهد بقدر ما تفكر في رأسه وعقلة ومستقبله.
هل تريدون النهاية انها كما البداية ازدحام من الصور والمشهديات التي مكن ان تحمل كل التفسيرات وكل المضامين لاننا امام رحلة فكر وتاريخ الفكر الاشتراكي على مدى التاريخ. ونشير هنا الى ان غودار من مواليد باريس 1930 وهذا يعني انه اليوم في التسعينيات من عمره ولكنه يظل يمتلك تلك المقدرة على الابتكار والتجدد وكأنه يرفض لجسد الحرفة السينمائية ان يتوقف او ان يفارقه النبض والتجدد. في تاريخه السينمائي كم من التحف التي رسخت حضور السينما الجديدة في فرنسا والعالم ومنها ويك اند وصنع في اميركا ورقم عشرة وستة ضرب اثنين والاسم الاول كارمن والملك لير والموجة الجديدة وموسيقانا ولحظات مختارة من تاريخ السينما.
مجموعة من أعمال السينما التي تذهب دائما الى اثارة الجدل والتفكير وايضا الانعتاق من التقليدية والكلاسيكية في التعامل مع الحرفة السينمائية وحينما يكون الفيلم كذلك فاننا نكون عندها امام فيلم من توقيع غودار المتجدد حتى وهو في التسعينيات من عمره.
ونخلص.. رائعة هي السينما حينما تمتلك مثل تلك الاصوات التي ترفض الساكن والتقليدي والجامد والمكرر.. وغودار يرفض كل ذلك ولهذا يظل يتجدد فنيا وفكريا بتأمله العميق للواقع والزمن والانسان والفكر.
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=211693
الإثنين مايو 24, 2010 2:39 pm
